فصل: (بَابُ الْقِرَانِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ الْقِرَانِ):

هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ اقْتِرَانِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَأَفْعَالِهِمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْقِرَانَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْإِفْرَادَ مِنْ حَيْثُ التَّرَقِّي مِنْ الْوَاحِدِ إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدَةُ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْقِرَانُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ لَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ {أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كُنْت آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفَيَّ وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا} كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّ فِي الْقِرَانِ زِيَادَةَ نُسُكٍ وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِدَامَةَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُمَا وَلَا كَذَلِكَ التَّمَتُّعُ.
وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ أَيْ مِنْ إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِحْرَامٍ عَلَى حِدَةٍ لَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَوْ الْعُمْرَةَ وَحْدَهَا لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ إنَّ أَرْبَعًا أَفْضَلُ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِتْيَانَ بِأَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِنَّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَتَيْنِ لَا غَيْرُ فَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ أَيْ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا جَمِيعًا أَمَّا إذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَلَا خِلَافَ حِينَئِذٍ فِي أَنَّ الْقِرَانَ يَكُونُ أَفْضَلُ.
قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ) قَدَّمَ الْعُمْرَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} وَلِأَنَّ أَفْعَالَهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي) أَيْ اقْطَعْ مَوَانِعَهُمَا عَنِّي.
قَوْلُهُ: (وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِتَقْدِيمِ ذِكْرِ الْحَجِّ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَمَنْ مَالَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) لِأَنَّهُ طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْعَى بَعْدَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَهَا طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَسْعَى) كَمَا قُلْنَا فِي الْمُفْرِدِ وَلَا يَحْلِقُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا وَبَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ طَافَ الْقَارِنُ وَسَعَى أَوَّلًا لِلْحَجِّ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ فَالْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْحَجِّ فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ مَعًا لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ سَعْيَيْنِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ الدَّمَ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ قَطْعًا لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعَ بَقَرَةٍ وَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ) فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْأَفْضَلُ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ شَاةٌ قِيلَ أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ لَحْمًا فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ بِالْكَثْرَةِ يَكْثُرُ نَفْعُ الْمَسَاكِينِ فَلَوْ أَنَّ الْقَارِنَ حَلَقَ أَوَّلًا ثُمَّ ذَبَحَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ ثُمَّ يَحْلِقَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ الدَّمَ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَقَوْلُهُ وَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ عِنْدَنَا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ لَا دَمَ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دَمُ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَذْبَحُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ) وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الصَّوْمِ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ قَبْلَ يَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إذَا كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَا بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْهَدْيِ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ) أَيْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حَتَّى دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الدَّمُ أَيْ دَمُ الْقِرَانِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ وَتَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي خِلَالِ صَوْمِ الثَّلَاثِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ وَسَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الصَّوْمِ وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ مَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْخُلْفِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَصُومُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) يَعْنِي بَعْدَ مَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ صَوْمُ السَّبْعَةِ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهَا مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ كَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَحَلَّلَ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ جَازَ عِنْدَنَا) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ وَالْوُصُولِ إلَى الْوَطَنِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى رَجَعْتُمْ أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْفَرَاغَ سَبَبُ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فَجَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ) هَذَا إذَا تَوَجَّهَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَمَّا إذَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ طَافَ لَهَا وَلَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَافِضًا وَيَكُونُ قَارِنًا وَدَمُ الْقِرَانِ عَلَى حَالِهِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى ثُمَّ إنَّهُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَبَيْنَ هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوْجِيهُ هُنَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا.
قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَفَضَتْ الْعُمْرَةُ صَارَ كَالْمُفْرِدِ وَالْمُفْرِدُ لَا دَمَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا) يَعْنِي بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ بِشُرُوعِهِ فِيهَا أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْوُجُوبُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(بَابُ التَّمَتُّعِ):

قَدَّمَ الْقِرَانَ عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَالتَّمَتُّعُ فِي اللُّغَةِ التَّرَفُّهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِهَا أَوْ أَكْثَرِ أَفْعَالِهَا وَإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَفْعَالِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ صَحِيحٍ بِأَهْلِهِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (التَّمَتُّعُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا فِي حَقِّ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا ثُمَّ يُحْرِمُ لِلْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُفْرِدُ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَالسَّفَرُ الْوَاقِعُ لِلْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ السَّفَرِ الْوَاقِعِ لِلسُّنَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ ثُمَّ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٍ يَسُوقُ الْهَدْيَ وَمُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ) وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا يُحْتَرَزُ عَنْ الْإِلْمَامِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِلْمَامُ هُوَ النُّزُولُ بِأَهْلِهِ وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ فَاسِدٌ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: (وَصِفَةُ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ) وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ فَإِنْ قُلْتُ لِمَ لَا يَكُونُ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَلَا طَوَافُ الصَّدَرِ قُلْت أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الْبَيْتِ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ قُدُومِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ فَأَتَى بِالطَّوَافِ الْمَسْنُونِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ وَأَمَّا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ وَمَا هُوَ مُعْظَمُ رُكْنٍ فِي النُّسُكِ لَا يَتَكَرَّرُ عِنْدَ الصَّدَرِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ فِي النُّسُكِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) يَعْنِي عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ فَيَقْطَعُهَا عِنْدَ افْتِتَاحِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا) إلَى وَقْتِ إحْرَامِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهَا شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ) هَذَا الْوَقْتُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَمَا تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْمُسَارَعَةِ وَالرَّغْبَةَ فِي الْعِبَادَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَجَمِيعُ الْحَرَمِ مِيقَاتٌ.
قَوْلُهُ: (وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ كَذَلِكَ هَذَا وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ تَطَوُّعًا وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ دَمُ التَّمَتُّعِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا جَازَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ أَحْرَمَ وَسَاقَ هَدْيَهُ) وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ التَّمَتُّعِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ زَائِدٌ وَتَقْدِيمُ الذَّاتِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الصِّفَاتِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فَفِيهِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلَا فِيهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِيرُ مَعَهُ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِيرُ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ) أَيْ قِطْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرِ وَالتَّقْلِيدُ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} فَثَبَتَتْ شَرْعِيَّةُ التَّقْلِيدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّجْلِيلُ مَا ثَبَتَ إلَّا بِالسُّنَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً بَلْ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ مَعَانٍ أُخَرُ وَهِيَ دَفْعُ الذُّبَابِ وَدَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالتَّقْلِيدُ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ وَصُورَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةً مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ وَالْمَعْنَى بِهِ أَنَّ هَذَا أُعِدَّ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَيَصِيرُ جِلْدَةً عَنْ قَرِيبٍ مِثْلَ هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْجِلْدِ حَتَّى لَا يُمْنَعَ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ هَدْيٌ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَغِيبُ عَنْ صَاحِبِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهُ يَضِيعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُهُ فَلِهَذَا لَا يُقَلَّدُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُلَبِّيَ ثُمَّ يُقَلِّدَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ فَكَانَ تَقْدِيمُ التَّلْبِيَةِ أَوْلَى لِيَكُونَ شُرُوعُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِهَا لَا بِالتَّقْلِيدِ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْعِرُ الْبَدَنَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) وَلَا يُسَنُّ الْإِشْعَارُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي أَسْفَلِ السَّنَامَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بِإِبْرَةٍ أَوْ سِنَانٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ السَّنَامَ بِذَلِكَ إعْلَامًا لِلنَّاسِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْبَهُ الْأَيْسَرُ أَيْ الْأَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ مُقْبِلَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْخِلُ بَيْنَ كُلِّ بَعِيرَيْنِ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ وَكَانَ الرُّمْحُ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ يَقَعُ طَعْنُهُ أَوَّلًا عَلَى يَسَارِ الْبَعِيرِ فَإِنْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ صَعْبَةً جَازَ أَنْ يَشُقَّ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ عَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْعِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُمَا قَبْلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشْعَارَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يُهَاجَ وَلَا يُؤْذِيَ إذَا وَرَدَ مَاءً أَوْ كَلَأً أَوْ يُرَدَّ إذَا ضَلَّ فَإِنَّهُ فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِأَنَّ الْقِلَادَةَ قَدْ تَحِلُّ أَوْ تَسْقُطُ وَالْإِشْعَارُ لَا يُفَارِقُهَا فَكَانَ أَلْزَمَ لَهَا مِنْ التَّقْلِيدِ وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ مُبَايِنٌ لَهَا يَحْتَمِلُ الْمُزَايَلَةَ وَالْإِشْعَارُ مُتَّصِلٌ بِهَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِصَالَ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ عَارَضَهُ كَوْنُهُ مُثْلَةً فَقَالَا بِحُسْنِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ وَالْمُثْلَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بِكَوْنِهِ مُثْلَةً وَكَوْنِهِ سُنَّةً فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ لِأَنَّ {النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ} وَهَذَا إيلَامٌ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ مَا كَانَ مُبَاحًا فَأَمَّا أَنْ يُبِيحَ مَا كَانَ مَحْظُورًا فَلَا وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَكَذَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى) أَوَّلًا وَطَوَافُهُ وَسَعْيُهُ هَذَا لِلْعُمْرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ عَرَفَةَ جَازَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ جَازَ) وَكُلَّمَا عَجَّلَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَقَدْ فَعَلَهُ بِالْهَدْيِ الَّذِي سَاقَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ جَمِيعًا) أَيْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ جَمِيعًا.
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ) وَكَذَا أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ لِأَجْلِ إسَاءَتِهِ دَمٌ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ ثَمَنَ الْهَدْيِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً) وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ صَحَّ قِرَانُهُ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ وَالْإِلْمَامُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَحَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ الْإِلْمَامَ بِأَهْلِهِ يُبْطِلُ تَمَتُّعَهُ فَصَارَ كَالْكُوفِيِّ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَبِهِ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسَفَرَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ وُجُوبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْعَوْدُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ وَقَيَّدَ بِالْمُتَمَتِّعِ إذْ الْقَارِنُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدِهِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ وَقِيلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْ بَعْدَمَا حَلَقَ أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِنَّ تَمَتُّعَهُ لَا يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَتَمَّمَهَا وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءَ الْأَفْعَالِ فِيهَا وَقَدْ وَجَدَ الْأَكْثَرَ فِيهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا) لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالْأَقَلَّ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فَإِذَا حَصَلَ الْأَكْثَرُ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَكَأَنَّهَا حَصَلَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الَّذِي يُتَمِّمُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فِي الْأَشْهُرِ.
قَوْلُهُ: (وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ).
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَشْهُرًا قِيلَ إقَامَةً لِأَكْثَرِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَ كُلِّهَا وَهَلْ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ الْأَشْهُرِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ نَعَمْ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ فَائِتَةً مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قِيلَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَرُكْنُ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكَلَّمَهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَلَيْهَا جَازَ إحْرَامُهُ) وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا.
قَوْلُهُ: (وَانْعَقَدَ حَجًّا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَنَا تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْأَشْهُرِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ رُكْنٌ وَعِنْدَنَا شَرْطٌ كَالطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ وَفَرَغَ مِنْهَا وَحَلَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَأَلَمَّ بِهِمْ حَلَالًا ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ خَرَجَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ لُحُوقُهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَإِنْ قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْهَا عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ خَارِجَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَصَنَعَتْ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ وَالْغُسْلُ هُنَا لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ النَّظَافَةُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ انْصَرَفَتْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ) فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهَا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ):

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ بَدَأَ بِمَا يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ وَالْجِنَايَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ فِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ فَإِنَّهُمْ خَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمٍ وَهُوَ الْغَصْبُ وَالْجِنَايَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ذَكَرَ الْكَفَّارَةَ مُجْمَلًا حَيْثُ ذَكَرَ الطِّيبَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعُضْوٍ دُونَ عُضْوٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ هَذَا الْمُجْمَلِ فَقَالَ (وَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) الْعُضْوُ الْكَامِلُ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ.
وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا طَيَّبَ رُبُعَ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ ثُمَّ وَاجِبُ الدَّمِ يَتَأَدَّى بِالشَّاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ نَذْكُرُهُمَا فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ جُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ طَيَّبَ أَعْضَاءَهُ كُلَّهَا كَفَتْهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ طَيَّبَ كُلَّ عُضْوٍ فِي مَجْلِسٍ عَلَى حِدَّةٍ فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ لِكُلِّ عُضْوٍ كَفَّارَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ لِلثَّانِي وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ كَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ إذَا كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا فَاعْتَبَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ الطِّيبِ فَقَالَ إنْ كَانَ الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا فَهُوَ كَثِيرٌ وَتَكُونُ الْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ وَلَوْ مَسَّ طِيبًا فَلَزِقَ بِيَدِهِ مِقْدَارُ عُضْوٍ كَامِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَالطِّيبُ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَالْخِطْمِيُّ طِيبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَكَذَا الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ طِيبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّمُ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُزِيلُ الشُّعْثَ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَتَتَكَامَلُ جِنَايَةً بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فَيَجِبُ الدَّمُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ بِطِيبٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ارْتِفَاقًا وَهُوَ قَتْلُ الْهَوَامِّ وَإِزَالَةُ الشُّعْثِ وَهُوَ جِنَايَةٌ قَاصِرَةٌ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ صَدَقَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِزَالَةِ الشُّعْثِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَدَنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّفَثِ وَالشُّعْثِ أَنَّ التَّفَثَ هُوَ الْوَسَخُ وَالشُّعْثَ انْتِشَارُ الشَّعْرِ لِقِلَّةِ التَّعَهُّدِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْخَالِصِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتِ أَمَّا الْمُطَيَّبُ فَيَجِبُ فِيهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّ الرَّيْحَانَ وَالطِّيبَ فَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ طِيبٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْحِنَّاءُ طِيبٌ وَإِنْ صَارَ مُلَبَّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلطِّيبِ وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ جَامِدًا غَيْرَ مَائِعٍ وَهَذَا إذَا غَطَّاهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَكَذَا إذَا غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ يَجِبُ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا خَطَبَتْ الْمَرْأَةُ كَفَّهَا بِالْحِنَّاءِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا دَمٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ عُضْوٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِي تَطَيُّبِهِ الدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) الْمَخِيطُ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَبَاءِ وَهَذَا إذَا لَبِسَهُ اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ أَمَّا إذَا اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَبِسَهُ أَكْثَرَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ وَلَوْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ أَيَّامًا إنْ لَمْ يَنْزِعْهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا كَفَاهُ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ ذَبَحَ الدَّمَ ثُمَّ دَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَيْهِ كَلُبْسِهِ مُبْتَدَأً وَإِنْ نَزَعَهُ وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كَانَ يَلْبَسُهُ بِالنَّهَارِ وَيَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ لِلنَّوْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى تَرْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ لَمْ يَجِبْ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَكَذَا إذَا غَطَّاهُ لَيْلَةً كَامِلَةً كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَسَوَاءٌ غَطَّاهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا وَمَعْنَاهُ إذَا غَطَّاهُ التَّغْطِيَةَ الْمُعْتَادَةَ أَمَّا إذَا حَمَلَ عَلَيْهِ إجَّانَةً أَوْ عَدْلَ بُرٍّ أَوْ جُوَالِقًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَطَّى بَعْضَ رَأْسِهِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبُعَ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ قَالَ فِي قَاضِي خان وَلَا يُغَطِّي فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا عَارِضَهُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَإِنْ غَطَّى رُبُعَ وَجْهِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِبَ وَتُغَطِّيَ وَجْهَهَا فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهَا دَمٌ وَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَكَذَا لِلْمُحْرِمَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِهِ إنْ لَبِسَ نِصْفَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَقَ رُبُعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَكَذَا إذَا حَلَقَ رُبُعَ لِحْيَتِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الرَّأْسِ إنْ حَلَقَ أَكْثَرَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ وَلَوْ حَلَقَ عَانَتَهُ أَوْ إبْطَيْهِ أَوْ نَتَفَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ حَلَقَ مِنْ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَكْثَرَهُ فَصَدَقَةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَحْلِقَ لَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا وَإِنْ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ قَصَّهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ وَهُوَ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهِ الدَّمَ وَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ عَانَتِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ حَلَقَ صَدْرَهُ أَوْ سَاقَهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ غَيْرِهِ أَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالْمَحْلُوقُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَالِقِ لِأَنَّهُ قَدْ نَالَ بِهِ الرَّاحَةَ وَالزِّينَةَ وَإِنْ أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا مَخِيطًا أَوْ طَيَّبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا قَتَلَ قَمْلًا عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ حَظَرَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُحْرِمُ بِالْحَلَالِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَقَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ يُحْتَرَزُ مِنْ الْمُحْرِمِ إذَا أَلْبَسَ مُحْرِمًا قَمِيصًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْبِسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ مِنْ الرَّقَبَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَدَقَةٌ)
وَهُوَ صَفْحَتَا الْعُنُقِ وَمَا بَيْنَ الْكَاهِلَيْنِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَلَوْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا عُضْوٌ كَامِلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْحَلْقَ الْمِحْجَمَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَارُورَةُ الْحَجَّامِ وَكَذَا الْمِحْجَمُ بِغَيْرِ الْهَاءِ وَالْمَحْجَمُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعُ الْمِحْجَمَةِ مِنْ الْعُنُقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَأَمَّا إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ الرُّبُعَ لَمْ يَجِبْ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الرَّأْسَ مُتَّحِدٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) إقَامَةً لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) أَيْ لِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ.
وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الدَّمُ بِقَصِّ ثَلَاثَةِ أَظَافِيرَ مِنْهَا لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا وَالثَّلَاثَةُ أَكْثَرُهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَلَنَا أَنَّ الدَّمَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا وَجَبَ بِقَصِّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدُ الْوَاحِدَةُ رُبُعُ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَمَالِ كَرُبُعِ الرَّأْسِ فِي الْحَلْقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ الْأَكْثَرُ فِيهِ مَقَامَ الْكُلِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الدَّمُ) كَمَا لَوْ حَلَقَ رُبُعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةُ وَالتَّقْلِيمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَشِينُهُ وَلَا رَاحَةَ فِيهِ وَإِذَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ عِنْدَهُمَا فَذَلِكَ فِي كُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ حِينَئِذٍ مَا شَاءَ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَتَعَلَّقَ فَقَلَعَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَ عَنْ حَدِّ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ يَنْمُو فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَفِيهِ أَظْفَارُهُ أَوْ خَلَعَ جِلْدَةً مِنْ رَأْسِهِ بِشَعْرِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فَالصَّوْمُ يُجْزِئُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ وَيُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَكَذَا الصَّدَقَةُ تُجْزِئُهُ عِنْدَنَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ أَعْنِي التَّغْذِيَةَ وَالتَّعْشِيَةَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا التَّمْلِيكُ وَأَمَّا النُّسُكُ وَهُوَ الذَّبْحُ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ كَالتَّضْحِيَةِ أَوْ مَكَانِ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَرَمُ.
قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ سُرِقَتْ الْمَذْبُوحَةُ وَقَدْ ذُبِحَتْ فِي الْحَرَمِ أَوْ هَلَكَتْ بِآفَةٍ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَفِي قَاضِي خَانْ اشْتِرَاطُ الْإِنْزَالِ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِاللَّمْسِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى وَكَذَا الِاحْتِلَامُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ يَحْصُلُ لَهَا كَمَا يَحْصُلُ لَهُ وَإِنْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ.
قَوْلُهُ: (مَنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَدَنَةٌ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ سَوَّى بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَالْفَرْجِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ وَالثَّانِيَةُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ لِتَقَاصُرِ مَعْنَى الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالْفَرْجِ لِأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ عِنْدَهُمَا وَلَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمَةَ وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ كَانَ الْمَجَامِعُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَفَسَادِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ) لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَفْعَالِهِ أَوْ بِالْإِحْصَارِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الْوَاجِبِ فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِحَالِهِ فَإِنْ جَامَعَ جِمَاعًا آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ أُخْرَى عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ إذَا حَجَّ بِهَا فِي الْقَضَاءِ). وَقَالَ زُفَرُ إذَا أَحْرَمَا افْتَرَقَا وَقَالَ مَالِكٌ إذَا خَرَجَا مِنْ بَلَدِهِمَا افْتَرَقَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ افْتَرَقَا وَالْمُرَادُ بِالْفُرْقَةِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ».
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهَا فَإِنْ جَامَعَ ثَانِيًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حُرْمَةِ إحْرَامٍ مَهْتُوكٍ فَيَكْفِيهِ شَاةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دُونَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالطِّيبِ فَخُفِّفَتْ الْجِنَايَةُ فَاكْتَفَى بِالشَّاةِ وَكَذَا بَعْدَ الطَّوَافِ قَبْلَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ بَاقٍ عَلَى الْإِحْرَامِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَفْسَدَهَا وَمَضَى فِيهَا وَقَضَاهَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطَّ رُتْبَةً فَتَجِبُ فِيهَا الشَّاةُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا كَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا) لِأَنَّ حَالَةَ الْحَجِّ مُذَكِّرَةٌ وَلَهُ أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ الشُّعْثُ وَالْبُعْدُ عَنْ الْوَطَنِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نِسْيَانُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ يَسْتَوِي فِيهِ النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ لِأَنَّ حَالَتَهَا مُذَكِّرَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَحُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَحُكْمِ الْجُنُبِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا تَرَكَ الطَّهَارَةَ فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ سُنَّةٌ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ وُجُودِهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاجِبَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا شَرَعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ.
قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي لِكُلِّ شَوْطٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ فَكَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ وَكَذَا لَوْ طَافَ أَكْثَرَهُ مُحْدِثًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَتُجْبَرُ بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْجَنَابَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ الطَّوَافِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْحَدَثِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ أَوْجَبْنَا الْبَدَنَةَ وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.
فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ لَا يُقَامُ أَكْثَرُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ مَقَامَ كُلِّهَا وَلَا صَوْمُ أَكْثَرِ النَّهَارِ مَقَامَ كُلِّهِ وَهُنَا يُقَامُ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ قِيلَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَعَدَّدُ بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ تُؤَدَّى فِي مَكَان وَاحِدٍ وَالْمَشَقَّةُ فِيهَا يَسِيرَةٌ فَلَمْ يَقُمْ الْأَكْثَرُ فِيهِمَا مَقَامَ الْكُلِّ وَالْحَجُّ أَفْعَالُهُ مُتَعَدِّدَةٌ وَتُؤَدَّى فِي أَمْكِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُقِيمَ الْأَكْثَرُ فِيهِ مَقَامَ الْكُلِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَسَادِ وَأَمْنًا مِنْ الْفَوَاتِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَكَذَا إذَا حَلَقَ أَكْثَرَ الرَّأْسِ صَارَ مُتَحَلِّلًا كَمَا إذَا حَلَقَ كُلَّهُ وَعَلَى هَذَا الطَّوَافِ كَيْفَ وَقَدْ أُقِيمَ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يَجْعَلُ اقْتِدَاءَهُ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ كَالِاقْتِدَاءِ فِي جَمِيعِهَا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَكَذَا الْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ يَجْعَلُ وُجُودَ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ كَوُجُودِهَا فِي جَمِيعِهِ وَكَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَفِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا لِقُصُورِهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا تَبْقَى شُبْهَةُ النُّقْصَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْوَجِيزِ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا إنْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَهَا لَزِمَهُ دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْبَدَنَةُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَبَعَثَ بِبَدَنَةٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ الْعَوْدَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا إنْ أَعَادَ فَطَافَ جَازَ وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِلزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ إذْ هُوَ مُحْرِمٌ مِنْ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ وَقَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ هَلْ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ الثَّانِي جَابِرًا لَهُ أَوْ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْفَسِخُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَيَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيِّ تَجِبُ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الصَّدَرِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ دُونُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالتَّأْخِيرِ اتِّفَاقًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) هَذَا إذَا لَمْ يُعِدْهُ أَمَّا إذَا أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَهَا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَهَا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ شَاةً وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَهَا) يَعْنِي مِنْ النِّسَاءِ لَا غَيْرُ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) وَكَذَا إذَا تَرَكَهُ كُلَّهُ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّ دَمَ السَّعْيِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا فَيَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ فَإِنْ سَعَى جُنُبًا أَوْ سَعَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَالسَّعْيُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْوُقُوفِ وَكَذَا لَوْ سَعَى بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ وَكَذَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ.
قَوْلُهُ: (وَحَجُّهُ تَامٌّ) اُحْتُرِزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ السَّعْيَ عِنْدَهُ فَرْضٌ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) يَعْنِي قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ أَمَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفِيضَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ نَدَّ بِهِ بَعِيرُهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ يَعْنِي إذَا كَانَ قَادِرًا أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ فَإِنْ أَعَادَهُ بِاللَّيْلِ عَقِيبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ مِنْ الْغَدِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ دَمٌ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ نُسُكٌ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَظِيفَةِ هَذَا الْيَوْمِ رَمْيٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ بِنِصْفِ صَاعٍ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ مَا شَاءَ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا صَدَقَةٌ وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ دَمٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَهَذَا فِي الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا وَلَا كَذَلِكَ الْمُفْرِدُ فَإِنَّهُ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي تَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَطَهُرَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا حَاضَتْ مِنْ قَبْلِ أَيَّامِ النَّحْرِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَامِلًا) إنَّمَا قَالَ قَتَلَ وَلَمْ يَقُلْ ذَبَحَ لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَالْمَيْتَةُ لَا تُسَمَّى ذَبِيحًا وَالصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ الْبَرِّيُّ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ فَقَوْلُنَا الْمُمْتَنِعُ احْتِرَازًا مِنْ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ وَقَوْلُنَا بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَجَمِيعِ الْهَوَامِّ وَقَوْلُنَا الْمُتَوَحِّشُ احْتِرَازًا مِنْ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَقَوْلُنَا فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ احْتِرَازًا عَمَّا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَوْلُنَا الْبَرِّيُّ احْتِرَازًا مِنْ صَيُودِ الْبَحْرِ وَمَمْلُوكُ الصَّيْدِ وَمُبَاحُهُ سَوَاءٌ وَالسِّبَاعُ كُلُّهَا صَيُودٌ وَفِي شَرْحِهِ الْأَسَدُ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَيُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ كَالضَّبُعِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ وَفِي السِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ رِوَايَتَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا الْجَزَاءُ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا جَزَاءَ فِي الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ وَفِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالْبُومِ الْجَزَاءُ وَقَوْلُهُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ هَذَا إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ عَلَى الصَّيْدِ لَا يَرَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى دَلَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمَ الصَّيْدِ إلَّا بِدَلَالَتِهِ.
أَمَّا إذَا كَانَ يَرَاهُ قَبْلَ دَلَالَتِهِ أَوْ يَعْلَمُ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَبْقَى الدَّالُّ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْمَدْلُولُ أَمَّا لَوْ تَحَلَّلَ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَدْلُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ عَنْ مَكَانِهِ أَمَّا إذَا انْفَلَتَ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي) أَيْ النَّاسِي لِإِحْرَامِهِ وَكَذَا الْخَاطِئُ مِثْلُ النَّاسِي.
قَوْلُهُ: (وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ) أَيْ الْمُبْتَدِئُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْعَائِدُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ آخَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَائِدِ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} ذَكَرَ الِانْتِقَامَ وَسَكَتَ عَنْ الْجَزَاءِ وَيُجَابُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ بِأَوَّلِ الْآيَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا عَمْدًا سُئِلَ هَلْ قَتَلَتْ قَبْلَهُ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك وَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْتُلْ شَيْئًا يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ ثَانِيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالْجَزَاءِ وَيَمْلَأُ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَعِنْدَنَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ ثَانِيًا وَثَالِثًا.
قَوْلُهُ: (وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ إنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ) لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ لَحْمًا وَلَا يُعْتَبَرُ صِنَاعَةً وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الْبَازِي وَالْحَمَامِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ.
قَوْلُهُ: (يُقَوِّمُهُ ذَوَا عَدْلٍ) الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْمُثَنَّى بِالنَّصِّ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِيمَةِ) إنْ شَاءَ أَهْدَى وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ.
قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا) ثَنِيًّا مِنْ الْمَعْزِ أَوْ جَذَعًا مِنْ الضَّأْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَصُومُ وَالْهَدْيُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالصَّوْمُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ مَكَان وَيَجُوزُ الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا وَيَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ التَّغْذِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهِ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَوْمًا وَعَنْ كُلِّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ يَوْمًا) وَهَلْ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى قَرَابَةِ الْأَوْلَادِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا) لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا أَوْ يَرْبُوعًا وَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ الْوَاجِبَ فِيهِ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا كَامِلًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْتَارَ الصَّوْمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} وَحَرْفُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصِّيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ فِي الصَّيْدِ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظِيرِ الْقِيمَةُ بَلْ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ نَظِيرِهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ النَّظِيرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ مِثْلُ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ: (فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ) الْعَنَاقُ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَهِيَ مَا لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الْجَفْرَةِ وَدُونَ الْجَذَعِ وَالْجَفْرَةُ مَا تَمَّ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ أَيْضًا وَالْيَرْبُوعُ دُوَيْبَّةٍ أَكْبَرُ مِنْ الْفَأْرَةِ لَهُ كَوَّتَانِ إذَا سَدُّوا عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا خَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ أَمَّا إذَا مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ تَجِبُ قِيمَتُهُ كَامِلَةً وَهَذَا أَيْضًا إذَا بَقِيَ لِلْجُرْحِ أَثَرٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ أَمَّا إذَا نَبَتَ أَوْ قَلَعَ سِنَّ ظَبْيٍ فَنَبَتَتْ أَوْ ابْيَضَّتْ عَيْنُهُ ثُمَّ زَالَ الْبَيَاضُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ يَعْنِي وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ قَتَلَهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ بَرِئَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَخَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً) لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ وَالْحَيِّزُ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ الْجِهَةُ فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ آخَرُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْجَزَاءَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَكَذَا إذَا شَوَاهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَذِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مَذِرًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ حَلَبَ ظَبْيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ وَكَذَا إذَا جَزَّ صُوفَ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا وَلَوْ قَتَلَهَا حَامِلًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَ الصَّيْدِ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَزَاءُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَطْعَمَهُ كِلَابَهُ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا أَكَلَهُ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} فَلَوْ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الضَّمَانَ لَمْ يَكُنْ ذَائِقًا وَبَالَ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِإِزَاءِ مَا أَخْرَجَهُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَالْمُحْرِمُ إذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَمَّا الْبَيْضُ إذَا شَوَاهُ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَيْضَ إنَّمَا لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ بِإِتْلَافِ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ فِي الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَيْضَ لَوْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِأَنْ كَانَ مَذِرًا لَمْ يَجِبْ بِإِتْلَافِهِ شَيْءٌ.
وَإِذَا كَانَ الْبَيْضُ إنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَةِ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ فِي الثَّانِي وَبِالشَّيِّ قَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَتْلَفَ بَيْضًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْ الْمَذْبُوحِ قَبْلَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ ضَمَانُ مَا أَكَلَ فِي ضَمَانِ الْجَزَاءِ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَيْضَةِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا) هَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْكَلْبِ وَالذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ جَزَاءٌ) الْمُرَادُ مِنْ الْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَمَّا الْعَقْعَقُ وَغُرَابُ الزَّرْعِ فَفِيهِمَا الْجَزَاءُ وَكَذَا لَا شَيْءَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْجُعَلَانِ لِأَنَّهَا هَوَامُّ لَا صَيُودُ وَأَمَّا الْقِرْدُ وَالْفِيلُ وَالضَّبُّ فَفِيهِمْ الْجَزَاءُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالنَّمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقُرَادِ شَيْءٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَفِي الْبُومِ الْجَزَاءُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) مِثْلَ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ أَوْ كَسْرَةٍ مِنْ خُبْزٍ هَذَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَمَّا إذَا أَخَذَهَا مِنْ الْأَرْضِ فَقَتَلَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ قَتَلَ الْقَمْلَةَ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ قَتَلَ قَمْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ بِكَفٍّ مِنْ طَعَامٍ وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَتَلَ عَشْرًا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ الْقَمْلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتُلَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُشِيرَ إلَى الْقَمْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْقِيَ ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ أَوْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ وَلَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ فَمَاتَ الْقَمْلُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ إذَا كَانَ كَثِيرًا وَلَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ لَا لِيَمُوتَ الْقَمْلُ بَلْ لِلتَّجْفِيفِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَمَاتَ الْقَمْلُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى حَلَالٍ لِيَقْتُلَ قَمْلَهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّافِعِ الْجَزَاءُ وَلَوْ أَشَارَ إلَى قَمْلَةٍ فَقَتَلَهَا الْمَدْلُولُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهَا وَلَوْ قَتَلَ قَمْلَةً عَلَى غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ فِي الْقَمْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْدًا لِأَنَّهُ حَادِثٌ مِنْ الْبَدَنِ كَالشَّعْرِ فَفِي إزَالَتِهِ إزَالَةُ الشُّعْثِ فَلَزِمَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ الصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إزَالَةِ الشُّعْثِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ جَرَادَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) لِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) إنَّمَا قَالَ هَذَا تَبَرُّكًا بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا وَكَانُوا مُحْرِمِينَ فَسَأَلُوا كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ جَرَادَةٍ دِرْهَمًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ مَا أَكْثَرَ دَرَاهِمَكُمْ يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوهَا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالضَّبُعِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوَهَا يَعْنِي سِبَاعَ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَشَبَهِهِمَا.
قَوْلُهُ: (لَا يَتَجَاوَزُ بِقِيمَتِهَا شَاةً) وَيَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ فَوْقَ شَاةٍ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ جَزَاءُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ فِيهِمَا شَاتَانِ عِنْدَنَا وَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ شَاةٌ وَقَوْلُهُ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ شَاةٌ بِالرَّفْعِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سِيرَ بِزَيْدٍ فَرْسَخَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَالَ السَّبْعُ عَلَى مُحْرِمٍ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَكَذَا إذَا صَالَ الصَّيْدُ.
وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الْجَزَاءُ اعْتِبَارًا بِالْجَمَلِ الصَّائِلِ قُلْنَا هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي قَتْلِ الْمُتَوَهَّمِ مِنْهُ الْأَذَى كَمَا فِي الْفَوَاسِقِ فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ الْمُتَحَقِّقِ أَوْلَى وَمَعَ وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لَهُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ لَحْمِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ثُمَّ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْجَزَاءَ حَتَّى أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَيَتَدَاخَلَانِ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى الْجَزَاءَ ثُمَّ أَكَلَ وَجَبَ أَيْضًا قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ وَصَيْدٍ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَيُكَفِّرُ وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى مَيْتَةٍ وَإِلَى صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَمَالَ مُسْلِمٍ ذَبَحَ الصَّيْدَ وَلَا يَأْخُذُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَكَذَا إذَا وَجَدَ صَيْدًا وَلَحْمَ إنْسَانٍ يَذْبَحُ الصَّيْدَ وَلَا يَتَنَاوَلُ لَحْمَ الْإِنْسَانِ فَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَلَحْمَ كَلْبٍ يَأْكُلُ الْكَلْبَ وَيَدْعُ الصَّيْدَ وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا اضْطَرَّ إلَى مَالِ مُسْلِمٍ وَمَيْتَةٍ يَأْكُلُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَيَتْرُكُ الْمَيْتَةَ لِأَنَّهُ يُبَاحُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَتُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْضًا وَمَالُ الْغَيْرِ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ لَوْلَا حَقُّ مَالِكِهِ فَإِذَا أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ كَانَ تَنَاوُلُهُ أَوْلَى مِنْ تَنَاوُلِ الْمَحْظُورِ فِي الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَ الْمُحْرِمُ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّجَاجَ وَالْبَطَّ الْكَسْكَرِيَّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الْكِبَارُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَنَازِلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَمَّا الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ وَقَيَّدَ بِالْكَسْكَرِيِّ وَهُوَ كِبَارُ الْإِوَزِّ احْتِرَازًا عَنْ بَطِّ غَيْرِ الْكَسْكَرِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ وَكَسْكَرُ نَاحِيَةٌ مِنْ نَوَاحِي بَغْدَادَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَ حَمَامًا مُسَرْوَلًا أَوْ طَيْرًا مُسْتَأْنَسًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) لِأَنَّهُمَا مُتَوَحِّشَانِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ وَالْمُسَرْوَلَةُ فِي رِجْلَيْهَا رِيشٌ كَأَنَّهُ سَرَاوِيلُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا) وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ يَحِلُّ أَكْلُهَا كَالسَّمَكِ فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِذَلِكَ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِينَ دُونَ الْحَلَالِ فَزَادَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِأَحَدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ اصْطَادَهُ حَلَالٌ) أَيْ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَذَبَحَهُ) أَيْ ذَبَحَهُ الْحَلَالُ.
قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَدُلُّهُ الْمُحْرِمُ وَلَا أَمَرَهُ بِصَيْدِهِ) وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ وَلَكِنْ الْحَلَالُ اصْطَادَهُ لِلْمُحْرِمِ قَصْدًا فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَسَوَاءٌ اصْطَادَهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْرِمِ فِيهِ صُنْعٌ.
قَوْلُهُ: (وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ الْجَزَاءُ) إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ وَلَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَتْ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ يَعْنِي إذَا قَتَلَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ.
أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لَا تَظْهَرُ حُرْمَةُ الْحَرَمِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَهَلْ يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بَلْ بِالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ فَإِنْ كَانَتْ دُونَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا إذَا سُرِقَ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلدَّمِ فِي الْغَرَامَاتِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمْلِيكُ مِنْ الْمُحْتَاجِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ حَتَّى إذَا سُرِقَ الْمَذْبُوحُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَوْ ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَأَدَّى جَزَاءَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا هُوَ مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) اعْلَمْ أَنَّ شَجَرَ الْحَرَمِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا يَحِلُّ قَطْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَوَاحِدٌ لَا يَحِلُّ قَطْعُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَالثَّلَاثَةُ كُلُّ شَجَرٍ يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ وَكُلُّ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مِمَّا يُنْبِتُونَهُ وَكُلُّ شَجَرٍ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُونَهُ وَالْوَاحِدُ كُلُّ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُونَهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَبَتَتْ أُمُّ غِيلَانٍ بِنَفْسِهَا فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَقَطَعَهَا قَاطِعٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهَا وَقِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الشَّجَرِ إلَّا فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرْطَانِ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَيَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ كَمَا إذَا قَلَعَ شَجَرًا نَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلْمَالِكِ وَقِيمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَبِهَذَا قَالَ الْمَكِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَوَابُهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْبِتٍ لِيُحْتَرَزَ مِمَّا إذَا نَبَتَ مَا لَيْسَ بِمُنْبِتٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ يَعْنِي الرَّطْبَ مِنْهُ أَمَّا إذَا قَطَعَ الْيَابِسَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَالْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِذَا أَدَّى الْقِيمَةَ مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ صَيْدٍ اصْطَادَهُ مُحْرِمٌ وَلَا بَيْعُ صَيْدِ الْحَرَمِ أَصْلًا وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمَنِ بِتَفْوِيتِ الْآمَنِ وَبَيْعُهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْعَى حَشِيشَ الْحَرَمِ دَوَابَّهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ مَنْعَ الدَّوَابِّ مِنْهُ مُتَعَذِّرٌ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ وَيَجُوزُ أَخْذُ الْوَرِقِ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا فَعَلَى الْقَارِنِ فِيهِ دَمَانٍ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ) وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَهَذَا إنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَلَا كَتَرْكِ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدَرِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَهَذَا إذَا مَضَى عَلَى إحْرَامِهِ وَلَمْ يَعُدْ أَمَّا إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَجَدَّدَ التَّلْبِيَةَ وَالْإِحْرَامَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ خِلَافًا لِزُفَرَ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ كَامِلًا) سَوَاءٌ كَانَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ وَلَوْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجْرِي مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهَا وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَقَارِنٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْحَلَالِ النِّصْفُ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ فَعَلَى الْحَلَالِ الثُّلُثُ وَعَلَى الْمُفْرِدِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَامِلٌ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَهُمْ غَيْرُ مُحْرِمِينَ فَعَلَيْهِمْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الصَّوْمُ وَالصَّيْدُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ ابْتَاعَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) وَعَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَزَاؤُهُ إذَا كَانَا مُحْرِمَيْنِ وَهَذَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ يَأْتِيك فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ اشْتَرَى حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ صَيْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِالْإِرْسَالِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَإِنْ اصْطَادَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ مُرْسِلٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْحِلِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.